logo
logo
logo

الأخبار

إليكم القصّة الكاملة للشهادات المزوّرة.. وما هي التسعيرة؟

إليكم القصّة الكاملة للشهادات المزوّرة.. وما هي التسعيرة؟

في مشهد جديد من مشاهد الانحدار الأخلاقي الذي يضرب بعض مفاصل الإدارة اللبنانية، كشف برنامج «سيرة وكملت» مع الإعلامي زفّان كيومجيان عبر شاشة قناة "الجديد" عن فضيحة مدوّية تتعلّق ببيع شهادات إجازة وماجستير ودكتوراه مزوّرة في لبنان، تورّط فيها موظفون داخل وزارة التربية والتعليم العالي، بالتعاون مع شركة محلية تتيح للراغبين الحصول على شهادات من جامعات عدّة، "لبنانية أو أجنبية"، مقابل مبالغ مالية محدّدة.

 

التقرير أظهر بالصوت والصورة تفاصيل صادمة حول آلية بيع تلك الشهادات، إذ يروي أحد المتورّطين أنّ الأسعار تبدأ من نحو 5000 دولار لمرحلة الإجازة (الليسانس)، وترتفع إلى 6500 دولار للماجستير وما يفوق 13000 دولار للدكتوراه، وفقاً للجامعة التي يُطلب تزوير شعارها وبياناتها. الأخطر في الأمر أنّ الشركة المزعومة كانت تُتيح للزبون "اختيار" الجامعة التي يرغب أن تصدر عنها شهادته، سواء كانت جامعة لبنانية رسمية أو خاصة أو أجنبية، بحيث يُصمَّم له مستند مطابق للأصل مدعوم برقم تسجيل إلكتروني يُظهر الشهادة وكأنها حقيقية عند إدخالها في الموقع الجامعي.

 

تحرّك رسمي عاجل

عقب بثّ التقرير، تحرّك رئيس الحكومة نواف سلام على الفور، متصلاً بوزيرة التربية والتعليم العالي ريمة كرامي، ومطالبًا باتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة. وأكد سلام في منشور على منصة "إكس" أنّه «لا يمكن التهاون مع أي عبث بمستقبل أولادنا أو بسمعة مؤسساتنا التربوية»، مشدّدًا على وجوب محاسبة كل من يثبت تورّطه في هذه الجريمة.

 

استجابت الوزيرة كرامي سريعاً، ووجّهت كتابًا رسميًا إلى القاضي جون أززي، رئيس دائرة هيئة القضايا في وزارة العدل، طالبةً تدخّل القضاء لإجراء التحقيقات اللازمة، وأرفقت الكتاب بقرص مدمج يحتوي على كامل التقرير المصوّر. كما أعلنت نيتها التقدّم بإخبار لدى النيابة العامة التمييزية لملاحقة جميع المتورّطين، أياً كانت مواقعهم أو انتماءاتهم.

 

ولم تكتفِ الوزيرة بخطوتها الأولى، بل وجّهت كتاباً ثانياً إلى القاضي نفسه لمتابعة التحقيقات في ملف التزوير المتعلق بكلية الحقوق في الجامعة اللبنانية، مؤكّدةً اتخاذها صفة الادعاء الشخصي ضد كل من يظهره التحقيق فاعلاً أو شريكاً أو محرّضاً.

 

الجامعة اللبنانية تردّ: «اتهامات باطلة»

وفي موازاة الغليان الإعلامي، أصدرت رئاسة الجامعة اللبنانية بياناً شديد اللهجة، نفت فيه نفياً قاطعاً ما ورد في التقرير عن صدور شهادات مزوّرة باسمها. وأوضحت أنّ «شهادات الجامعة اللبنانية لا تخضع للمعادلة في وزارة التربية»، وأن «مراجعة سجلات الجامعة أظهرت عدم وجود أي أثر للسيدة التي زعمت حصولها على شهادة منها».

 

الجامعة أكّدت كذلك أنّ نظامها الإلكتروني محصّن وغير قابل للاختراق، وأنّ ما ورد في التقرير يشير أصلاً إلى شهادات مزوّرة باسم جامعة خاصة، جرى معادلتها بطريقة غير قانونية بمساعدة أحد الموظفين في وزارة التربية. وسألت: «لماذا جرى تحوير القضية وتوجيه الاتهامات الباطلة إلى الجامعة الوطنية؟».

 

وشدّدت رئاسة الجامعة على أنّها ترحّب بإحالة الملف إلى القضاء المختصّ لكشف الحقيقة كاملة، داعيةً إلى «وقف حملات التشهير التي تستهدف الصرح الأكاديمي الوطني وتحاول النيل من سمعة أكثر من 400 ألف خريج وخريجة في لبنان والخارج».

 

أزمة ثقة تضرب القطاع التربوي

هذه القضية، وإن كانت في ظاهرها فضيحة فساد إداري محدودة، إلا أنّها تسلّط الضوء على أزمة أعمق تتعلق بفقدان الثقة بمنظومة التعليم العالي في لبنان، وبغياب الرقابة الفعلية على مكاتب الخدمات التعليمية التي تحوّلت في بعض الأحيان إلى "مصانع شهادات". كما تطرح تساؤلات حول مدى قدرة الوزارة على ضبط التلاعب داخل أجهزتها، خصوصًا في ظلّ الحديث عن تورّط موظفين رسميين في عمليات التزوير والمعادلة غير المشروعة.

 

في بلد يعاني ما يعانيه من انهيار مؤسساتي، تأتي هذه الفضيحة لتضيف جرحاً جديداً إلى جسد التعليم اللبناني. ومع تحرّك القضاء ووزارة التربية، تبقى الأنظار شاخصة نحو العدالة، علّها تضع حدّاً لتجار الشهادات الذين يعبثون بمستقبل الأجيال، ويشوّهون صورة الجامعات التي ما زالت تحاول الصمود وسط عاصفة الانهيارات.ورغم كل ما يعتري المشهد من شوائب، تبقى الجامعات اللبنانية، سواء الرسمية منها أو الخاصة، من بين الرائدين أكاديمياً في المنطقة والعالم، إذ تتمتّع بسمعةٍ دولية مرموقة وتخرّج سنوياً نخبةً من الكفاءات التي تتبوأ مواقع علمية ومهنية رفيعة في مختلف الدول.