logo
logo
logo

مقالات

محاولة اغتيال حزب الله: مذكرة "براك" ومخطط الإعدام

محاولة اغتيال حزب الله: مذكرة "براك" ومخطط الإعدام

حسام حمزة 
11 آب 2025


المعادلة البراغماتية التي فرضتها مذكرة "براك" على حزب الله تهدف إلى إحداث تغيير جذري في المشهد العسكري والسياسي في لبنان والمنطقة، وتشكل تهديدًا وجوديًا لحزب الله. تتجاوز الخطة إنهاء الوجود العسكري للحزب جنوبي الليطاني، لتهدد بتجريده من سلاحه بالكامل على الأراضي اللبنانية كافة. هذه المذكرة هي خطة متكاملة للقضاء على وجود الحزب كأقوى قوة غير حكومية مسلحة في العالم، وليست مجرد خطة لمحاصرته.

 

الركيزة الأساسية: الآلية الخماسية ومواجهة نقاط الانهيار

ينص البند الأول من المذكرة على التزام مجلس الوزراء اللبناني بتجريد حزب الله وسائر الجهات غير الحكومية من السلاح بالكامل بحلول 31 كانون الأول 2025. تُعد موافقة الحكومة اللبنانية على هذا البند، على مرأى من الثنائي الشيعي، خطوة أولى وحاسمة لبدء تنفيذ الخطة. يتطلب الأمر نزع سلاح الحزب أو تدميره بالكامل تحت مراقبة "الآلية الخماسية" التي تضم الولايات المتحدة، وفرنسا، وإسرائيل، ولبنان، وقوات اليونيفيل.


يضع انتشار الجيش اللبناني، بعد تجهيزه دوليًا، الحزب تحت ضغط كبير، خاصةً مع وجود المراقبة الأمريكية والفرنسية عبر الأقمار الصناعية والطائرات المسيّرة، وهو ما يعيق أي محاولة لنقل أو تخزين السلاح. تتجاوز المخاطر العسكرية والجيوسياسية على حزب الله الجانب العسكري المباشر لتشمل جوانب استراتيجية وسياسية، فقد تؤدي إلى فقدان الحزب لقدرته على مواجهة إسرائيل، مما يعني خسارة الردع، وانهيار التنظيم، والعزل الجغرافي والسياسي.

 

مواقف الأطراف الإقليمية والدولية:

- إسرائيل: تمنع المذكرة التدخل العسكري الإسرائيلي إذا التزم لبنان ببنودها.


- سوريا: تلزمها المذكرة بالتعاون في ترسيم الحدود فقط، ولا يحق لها التدخل (إلا بطلب رسمي من لبنان) وفق القانون.


- الدول الأخرى: ستفرض عقوبات اقتصادية ودبلوماسية دولية على لبنان في حال عدم الالتزام.

 

تُبرز المذكرة الأهمية المحورية للجهات الفاعلة فيها، حيث ذُكر لبنان 40 مرة، والولايات المتحدة 11 مرة، وإسرائيل 10 مرات، وحزب الله 9 مرات، والسعودية وسوريا 6 مرات لكل منهما.

 

جدير بالذكر، أن كل الأطراف المعنية بالتنفيذ هي خصوم شرسة لحزب الله. تنتظر السعودية بفارغ الصبر ما تعتبره "العد التنازلي الوجودي لأقوى ميليشيا في العالم"، في حين تأمل إسرائيل أن يتحول حزب الله من تهديد إلى مجرد ذكرى. أما الأطراف اللبنانية، فيرغبون في أن يكون تاريخ 31/12/2025 هو شهادة وفاة المقاومة المسلحة وانتهاء الشيعيّة السياسيّة. على الجانب الآخر، يقف حزب الله وحيدًا بعد أن فُرض على الدولة اللبنانية إصدار قرار نزع السلاح.

 

التحدي الأكبر هو الجدول الزمني

يُعد الجدول الزمني للمذكرة (120 يومًا) غير واقعي لتفكيك بنية عسكرية قائمة منذ 40 عامًا. يشير هذا الاستعجال إلى نية مقصودة لحشر المقاومة في الزاوية، وقد يرتبط بأحداث إقليمية متصاعدة أو بالرغبة في التحرك قبل سقوط حكومة نتنياهو المترنّحة.


لم يبادر الثنائي إلى تعطيل تنفيذ المذكرة وإرباك الخصوم عبر منع تطبيق المرحلة الأولى، وذلك بمنع إصدار مرسوم نزع السلاح الكامل. كان يمكن تحقيق ذلك عبر استقالة وزراء الثنائي الشيعي أو إسقاط الحكومة. إلا أن ذلك لم يحدث، ويجري استكمال المرحلة الأولى وصولًا إلى المرحلة الثانية.

 

فوّت حزب الله فرصة وضع شركائه في الحكومة في موقف صعب، إذ أن عواقب الإخلال بتنفيذ المذكرة أو عدم إقرارها - حسب آليات التحقق والتنفيذ - هي:
- بالنسبة لإسرائيل: توبيخ من مجلس الأمن ومراجعة الترتيبات العسكرية لمنع الاشتباك.


- بالنسبة للبنان: تجميد مشروط للمساعدات العسكرية وفرض عقوبات اقتصادية.


هنا يبرز سؤال مباشر: وبعد حساب التكلفة، لماذا قبل الثنائي الشيعي مجاراة لعبة "براك" رغم الموت البطيء؟ ولماذا ركّز حزب الله على استنكار بند العقوبات الإسرائيلية "التوبيخ"، بدلًا من الالتفات إلى أن العقوبات ستطال حلفاء أمريكا في لبنان أولًا (من السنة والمسيحيين والدروز والشيعة)؟ إن دراسة المتضررين من العقوبات ووقف المساعدات العسكرية توضح سبب تضحية الجميع بسلاح الحزب في جلسات حكوميّة متسارعة غير قابلة للنقاش.

 

إن المعادلة التي فرضتها المذكرة على لبنان، حوّلتها الحكومة إلى أداة ضغط على حزب الله، مع العلم أن العقوبات المفترضة ليست حتمية، لأنها تطال بشكل مباشر الجيش اللبناني وحلفاء أمريكا، بينما الحزب هو الطرف الأقل تأثرًا بها. كما أهمل الحزب حقيقة أن المساعدات العسكرية للجيش التي ستوقفها أمريكا هي في الأصل غير موجودة، وما سيأتي هي في إطار تحويل الجيش إلى "شرطي أمن" لخدمة إسرائيل، ومكافأةً على مهمة نزع سلاح الحزب.

 

السيناريو المحتمل وخيارات الثنائي

 

رجّح القائمون على المذكرة أن السيناريو المحتمل هو أن يرتبك الثنائي، ويختار الحزب تكتيك المماطلة والتفاوض وطلب الضمانات، لكنهم يقدّرون أن الثنائي أو أحدهما لن يستطيع منع التنفيذ كليًا بعد تأمين قرار حكومي لبناني وتحالف دولي وعربي لفرض الخطة.

 

أمّا في حال فشل التنفيذ، قد تتحول المنطقة إلى مواجهة عسكرية شاملة، ولكن بمشاركة المعنيين عن تنفيذ هذه الورقة. سيُحمّل الداخل المسؤولية الكاملة للحزب، ولن يكون أمامه خيار إلا صد العدوان والمواجهة العسكرية الشاملة، رغم التحديات التي تواجه قوته الميدانية. يبدو أن حزب الله اختار تأجيل المواجهة لأقصى قدر ممكن، بانتظار المستجدات الداخلية والإقليمية لفتح مخارج محتملة عبر مفاوضات وترتيب وضعه الداخلي.

 

أخيرًا، تمثل المذكرة أخطر تهديد وجودي يواجه حزب الله منذ تأسيسه: حصار متعدد الجبهات تُشكّله تحالفات خصومه الداخليين والإقليميين والدوليين. نجاته لم تعد تعتمد على القوة العسكرية، بل على قدرته على المباغتة وتحويل المعركة إلى كارثة داخلية تكبح خصومه، ومأزق دولي يُعقّد حسابات الجميع. لا ينتظر أحد من صنّاع "براك" أن يوقع حزب الله على شهادة انتحاره بتسليم سلاحه، لكنهم يراهنون على أن رياح ما بعد الحرب سحقت أوراقه الرابحة المتراكمة، ما يبرر إصراره على البقاء في مربع السكون، فهل تُشعل مذكرة "براك" انتفاضة وجودية للمشروع المقاوم؟