logo
logo
logo

أمن

الضاحية الجنوبيّة تحترق عشية العيد

الضاحية الجنوبيّة تحترق عشية العيد

في ليلةٍ كان يُفترض أن تُزيَّن شرفات الضاحية الجنوبيّة بزينة العيد وتصدح المآذن بتكبيراته، سقطت بيروت من جديد في جحيم القصف. صواريخ إسرائيليّة خارقة للتحصينات هزّت العاصمة، مستهدفة قلب الأحياء السكنيّة في الضاحية، بينما كان الناس يستعدّون لاستقبال عيد الأضحى. لم يكن ذلك مجرّد تصعيد، بل اعتداء سافر ومقصود على الحياة المدنية، أراد من خلاله العدو الإسرائيلي أن يزرع الرعب في النفوس، ويحرم الآمنين من لحظة فرحٍ موعودة.

الضربات وقعت في مناطق شديدة الحساسية والازدحام، وتركّز التهديد والقصف على مواقع مدنيّة خالصة، من بينها: جانب مجمّع القائم

 

 أوتوستراد السيّد هادي – مقابل صيدلية حي الأبيض،

الكفاءات، وحي الأمريكان – خلف قهوة "حبايبنا"،

وتوسّعت رقعة التهديد لتشمل الجنوب اللبناني أيضًا، وتحديدًا قرية "عين قانا" في قضاء النبطية

دوّت الغارات في عمق الضاحية، وهزّت شوارعها كزلزال مفاجئ، فانهارت النوافذ، واهتزّت الأبنية، وارتفعت ألسنة اللهب من المباني المصابة، بينما غطّى الغبار والدخان الكثيف كل شيء. الرؤية انعدمت، الهواء اختنق، والروائح المنبعثة من الحرائق كانت كفيلة بدفع بعض السكان للتقيّؤ. حتى في الشوارع البعيدة عن مواقع الانفجار، خيّمت حالة من الهلع، وسادت الفوضى، بينما كانت سيارات الإسعاف تهرع إلى المكان وسط صرخات الأطفال ودموع الأمهات.

 بعض الصواريخ إمّا لم تنفجر أو أنّها اخترقت الأرض وانفجرت تحتها، ما يشير إلى احتمال وجود ذخائر غير منفجرة، تُشكّل خطرًا داهمًا في الساعات والأيّام المقبلة. الطيران الحربي الإسرائيلي واصل تحليقه الكثيف فوق الضاحية وبيروت والجنوب، ما زاد من توتّر الأجواء وقلق المدنيين، الذين أمضوا الليل في ترقّب دائم لأيّ غارة مفاجئة جديدة.

الجيش الإسرائيلي تبنّى الغـ.ـارات، زاعمًا أنّه "يستهدف مواقع إرهابـ.ـية تابعة للوحدة الجويّة في الحـ.زب (الوحدة 127)"، لكنّ الوقائع على الأرض تفضح هذه الادّعاءات: لا قواعد عسكرية، لا مواقع استراتيجية، فقط أحياء مدنيّة نابضة بالحياة، وأسواق ومجمّعات تجارية ومنازل تأوي آلاف العائلات. فيما اقتصرت الأضرار بمعظمها على الماديات، لكن الأثر النفسي العميق الذي تركه الهجوم أصاب كل منزل، وكلّ طفل، وكلّ قلب.

العدوان لم يكن فقط على الضاحية، بل على معنويات اللبنانيين جميعًا، وعلى لحظة العيد التي تمّ اغتيالها عمدًا. أراد العدو أن يُظهر قدرته على الوصول إلى أيّ حي، في أيّ وقت، وأن يفرض معادلة الرعب مجدّدًا، لكنّه، وككل مرّة، أخطأ التقدير. 

هكذا سقط العيد من السماء، لكن لم تسقط كرامة المدينة. بيروت التي تنفض رماد القصف كلّ مرّة، عادت لتقول إنّها باقية، وإنّها قادرة على أن تولد من تحت الركام. الصمود، وحده، هو ما يجعل لهذا الوطن معنى.