أعلن المبعوث الأميركي توم برّاك على منصّة اكس أن "مع استعادة سوريا لاستقرارها عبر تطبيع العلاقات مع جيرانها، بما في ذلك إسرائيل وتركيا، أصبحت تشكل الركيزة الأولى في الإطار الأمني الشمالي لإسرائيل. أما الركيزة الثانية، فيجب أن تكون نزع سلاح حزب الله داخل لبنان وبدء المحادثات الأمنية والحدودية مع إسرائيل."
وأضاف، اتفاق وقف الأعمال العدائية لعام 2024، الذي رعته إدارة بايدن وجرى التوصل إليه بوساطة أميركية وأممية، سعى إلى وقف التصعيد لكنه فشل في النهاية. لم يتم التوصل إلى اتفاق مباشر بين إسرائيل وحزب الله، لأن لبنان ما زال يعتبر التعامل مع إسرائيل جريمة، وبالتالي لا وجود لآلية حقيقية للتنفيذ. في الوقت نفسه، تواصل إيران تمويل حزب الله رغم العقوبات، فيما يرسل مجلس الوزراء اللبناني المنقسم رسائل متناقضة إلى الجيش اللبناني الذي يفتقر إلى التمويل والصلاحيات للتحرك. والنتيجة: هدوء هش بلا سلام، وجيش بلا سلطة، وحكومة بلا سيطرة.
وأكّد أن إسرائيل لا تزال تحتل خمس نقاط تكتيكية على طول "الخط الأزرق"، محتفظة بقدرتها على الإنذار المبكر، فيما تنفذ ضربات يومية ضد مخازن حزب الله. في المقابل، يبقى مبدأ الحكومة اللبنانية "دولة واحدة وجيش واحد" أقرب إلى الطموح منه إلى الواقع، بفعل هيمنة حزب الله السياسية والخشية من اندلاع اضطرابات داخلية.
وأردف منشوره قائلاً:
في مطلع هذا العام، عرضت الولايات المتحدة خطة "محاولة أخيرة"، وهي إطار لنزع السلاح تدريجيًا، مع آليات تحقق وحوافز اقتصادية بإشراف أميركي – فرنسي. لكن لبنان رفض تبنيها بسبب نفوذ حزب الله داخل مجلس الوزراء. وباتت الحكومة اللبنانية أسيرة الشلل الطائفي، تحاول تقديم خطوة حسن نية، غير أن إسرائيل تجاهلتها معتبرة أن "الخطاب لا يعكس الواقع".
ومع استقرار دمشق، يزداد حزب الله عزلة. إن تبعيته للخارج تقوّض سيادة لبنان، وتردع الاستثمارات، وتضعف ثقة الشعب، وتشكل إنذارًا دائمًا لإسرائيل. غير أن الحوافز للتحرك باتت اليوم تفوق كلفة الجمود: فالشركاء الإقليميون مستعدون للاستثمار، شرط أن يستعيد لبنان احتكار القوة الشرعية بيد الجيش اللبناني وحده. أما إذا استمرت بيروت في التردد، فقد تقدم إسرائيل على التحرك أحاديًا – وعندها ستكون العواقب وخيمة.
إن نزع سلاح حزب الله ليس فقط ضرورة أمنية لإسرائيل، بل هو فرصة للبنان كي يستعيد سيادته ويبدأ مرحلة تجدد وازدهار. بالنسبة لإسرائيل، يعني ذلك حدودًا شمالية آمنة. وبالنسبة للبنان، سيادة مُستعادة وفرصة للإنعاش الاقتصادي. أما للولايات المتحدة، فهو تحقيق لمبدأ "السلام عبر الازدهار" مع تقليل الانخراط الأميركي المباشر. وعلى مستوى المنطقة، يعني ذلك إزالة وكيل أساسي للنظام الإيراني، إلى جانب حماس، وتسريع وتيرة التحديث والاندماج العربي.
من هذا المنطلق، حاولت واشنطن دفع لبنان نحو حل سلمي مع إسرائيل عبر الحوافز لا الإملاءات، بربط المساعدات الخليجية لإعادة الإعمار بمراحل قابلة للقياس، وضمان التحقق (من دون سلطة تنفيذية) عبر إشراف أميركي – فرنسي – أممي، وتعزيز قدرات الجيش اللبناني من خلال التدريب والدعم الموجّه (وقد التزمت واشنطن هذا الشهر بتقديم أكثر من 200 مليون دولار إضافية للجيش اللبناني). كانت الولايات المتحدة مستعدة لتوفير الغطاء الدبلوماسي لتحول حزب الله إلى مسار سياسي سلمي، وتنسيق المواقف الإقليمية التي تربط الاستثمار بالتقدم، ومساعدة بيروت على عرض نزع السلاح كاستعادة للسيادة لا كتنازل. لكن كل هذه المبادرات توقفت فيما تمضي بقية المنطقة في طرد وكلاء إيران.
الخطوات الجريئة التي اتخذتها سوريا نحو اتفاق حدودي وربما تطبيع مستقبلي تمثل البداية لتأمين الجبهة الشمالية لإسرائيل. أما نزع سلاح حزب الله فيجب أن يكون الخطوة الثانية. لبنان اليوم أمام خيار مصيري: إما أن يسلك طريق التجدد الوطني، أو أن يبقى غارقًا في الشلل والانهيار.
وعلى الولايات المتحدة أن تدعم بيروت بسرعة للفصل عن حزب الله، والالتحاق بإيقاع المنطقة في مكافحة الإرهاب، قبل أن تجرفه موجة "عدم التسامح" الجديدة مع التنظيمات المسلحة.
وإذا فشلت بيروت في التحرك، فإن الجناح العسكري لحزب الله سيواجه حتمًا مواجهة كبرى مع إسرائيل في لحظة تكون فيها إسرائيل قوية وحزب الله المدعوم من إيران في أضعف حالاته. كما أن جناحه السياسي سيجد نفسه أمام عزلة متزايدة مع اقتراب انتخابات أيار 2026.
وفي حال تعرض حزب الله لهجوم عسكري كبير من إسرائيل وتكبد خسائر ميدانية أو سياسية أو معنوية، فمن المرجح أن يسعى لتأجيل الانتخابات المقررة في أيار 2026 للحفاظ على قاعدته وإعادة تنظيم صفوفه. فإجراء الانتخابات في لحظة ضعف كهذه قد يفضي إلى انتكاسات انتخابية لحلفائه ويشجع خصومه على تحدي هيمنته داخل النظام الطائفي الهش. وبالاستناد إلى ذرائع مثل "الأمن القومي" و"الظروف الحربية"، قد يبرر الحزب التأجيل بحجة حماية الوحدة الوطنية والطائفة الشيعية من الاستغلال الخارجي، بينما الهدف الحقيقي هو كسب الوقت لإعادة بناء قوته العسكرية والسياسية وإعادة رسم موازين القوى.
لكن تأجيل انتخابات 2026 بذريعة الحرب سيؤدي إلى فوضى كبرى داخل لبنان، ويعمق الانقسامات الطائفية. فالكثير من القوى – خصوصًا المسيحية والسنية والإصلاحية – ستعتبر التأجيل انقلابًا على الدستور بهدف ترسيخ سيطرة حزب الله والتهرب من المحاسبة عن دمار الحرب. مثل هذا القرار قد يشلّ البرلمان، ويعمّق الفراغ الحكومي، ويفجر احتجاجات واسعة شبيهة بانتفاضة 2019 – لكن هذه المرة وسط توتر مسلح وانهيار اقتصادي. وستؤدي قناعة اللبنانيين بأن ميليشيا واحدة قادرة على تعليق الديمقراطية إلى انهيار ثقة الشعب بالدولة، واستدعاء التدخلات الخارجية، ودفع البلاد من أزمة إلى انهيار مؤسساتي شامل.
وبفضل زخم "الخطة ذات العشرين بندًا" التي أطلقها الرئيس الأميركي، أصبح الطريق نحو توسيع اتفاقات أبراهام أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، رغم العقبات المرتبطة بحلّ أزمة حماس. فإيران اليوم في أضعف حالاتها سياسيًا واقتصاديًا وأخلاقيًا، فيما تقف السعودية على أعتاب انضمام رسمي. ومع تحرك الرياض، ستتبعها دول أخرى، وقد تجد دول المشرق نفسها منجذبة إلى هذا المسار لا تحت الضغط بل بدافع الازدهار. إنه إنجاز استثنائي يشهد على تحوّل السلام إلى مردود والازدهار إلى واقع بين أمم كانت حتى الأمس القريب متخاصمة. وسيذكر التاريخ هذه اللحظة كالأسبوع الذي بدأ فيه قرن من الصراع بالتحول إلى جيل من التعاون. لكن علينا أن نتذكر أن التعاون ليس غاية بحد ذاته بل طريق نحو السلام والفهم المتبادل، يتطلب منا العمل الدؤوب ليتكامل هذا الفسيفساء المتشابك في مكانه الطبيعي.
أما السفير الأميركي الجديد في لبنان، ميشال عيسى، الذي عيّنه الرئيس ترامب حديثًا والمشهود له بالكفاءة، فسيصل إلى بيروت الشهر المقبل ليساعد لبنان على الإبحار بثبات في خضمّ هذه الملفات المعقدة.
الوقت الآن حاسم… لقد حان للبنان أن يتحرك".