logo
logo
logo

الأخبار

كيف وقع السياسيّون في فخ "أبو عمر"؟

كيف وقع السياسيّون في فخ "أبو عمر"؟

نشرت صحيفة "الأخبار" تحقيقًا لافتًا كشف واحدة من أكثر قصص النفوذ الوهمي والاحتيال السياسي تعقيدًا في لبنان، بطلها الشيخ خلدون عريمط، الملقّب بـ"أبو عمر"، الذي نجح لسنوات في نسج شبكة علاقات واسعة داخل الطبقة السياسية ورجال الأعمال، منتحلًا صفة مقرّب من الديوان الملكي السعودي وولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

 

آليّة الاستدراج

كان عريمط يعمد إلى زيارة شخصيّات سياسية وعاملين في الشأن العام، مقدّمًا نفسه على أنّه أحد أبرز المؤثّرين في الديوان الملكي السعودي، وقادر على تأمين دعم سياسي مباشر من المملكة. وكان يؤكّد لضحيّته أن السعوديّة راضية عن أدائها السياسي، قبل أن يسألها عمّا إذا كانت مستعدّة لإقامة علاقات مع مسؤولين سعوديّين، وعند الموافقة تبدأ مرحلة الاستدراج الفعلي، بحسب ما أوردته الصحيفة.

 

الطلب المالي الأوّل

بعد فترة قصيرة، كان "الأمير المزعوم" يعاود الاتّصال، مثنيًا على المواقف السياسيّة، ثم يطلب الاهتمام بالشيخ خلدون عريمط، ودعم جمعيّة "رابطة إنماء وتوعية الأسرة" التي أسّستها زوجته، عبر مبالغ ماليّة يحدّدها بنفسه، تحت عنوان دعم العمل الاجتماعي.

 

توسّع النفوذ وانتظار الاتصال

مع مرور الوقت، ذاع صيت «أبو عمر» في الأوساط السياسيّة، وبات بعض السياسيّين والمرشحين ينتظرون اتّصاله لأشهر، نظرًا لحرصه على عدم الإكثار من الاتّصالات لإظهار نفوذ استثنائي. ورغم تركيزه على الشخصيّات السنيّة، إلّا أنّه لم يستثنِ شخصيات من طوائف أخرى، ولا سيّما أصحاب الثروات الذين يملكون طموحات سياسيّة.

 

الانتخابات النيابية 2022

قالت "الأخبار" إنّ عريمط تمكّن من التأثير في الانتخابات النيابيّة عام 2022، خصوصًا في عكار، حيث حاول عدد من المرشحين التواصل معه طلبًا للدعم السعودي. كما امتد تأثيره إلى بعض مسؤولي تيّار المستقبل، الذين صدّقوا رواية عودة الرئيس سعد الحريري إلى العمل السياسي، وبنوا حساباتهم الانتخابيّة على هذا الأساس في انتخابات 2022، وحتى في الاستعدادات للانتخابات المقبلة.

 

الانتخابات البلدية في بيروت

كما يُتداول أنّ "أبو عمر" لعب دورًا في الانتخابات البلديّة في بيروت، عبر دفع عدد من المرشحين إلى الانسحاب، ومن بينهم، مرشح لموقع رئاسة البلديّة بسام برغوت، الذي انسحب بناءً على طلب مباشر من عريمط.

 

أموال وصفقات محدّدة

وكشفت الصحيفة أنّ عريمط تلقّى أموالًا مقابل الطلب من النائب فؤاد مخزومي إدخال أحد المرشحين إلى اللّائحة الائتلافيّة التي كان يرأسها إبراهيم زيدان. كما تردّد أنباء أنّ مخزومي حوّل إلى «أبو عمر» نحو 500 ألف دولار أميركي، مقابل إقناع السعوديّة بتبنّي ترشيحه إلى رئاسة الحكومة، والضغط على النوّاب لتسميته.

 

شبكة وعود وهميّة تطال شخصيّات بارزة

في المقابل، كانت طلبات تبنّي مرشحين للانتخابات النيابيّة، والتوزير، وحتّى تقديم الدعم لاستعادة نفوذ سياسي مفقود، تتدفّق على خلدون عريمط بلا انقطاع. وكان "أبو عمر" يتقن فنّ ترحيل الوعود، مُرجئًا تنفيذها إلى ما كان يسمّيه دائمًا "الوقت الذي يفضّله الديوان الملكي".

 

وعلى هذا الأساس، اتّسعت لائحة الشخصيّات التي تمكّن "أبو عمر" من استدراجها إلى فخّه، لتشمل أسماء سياسية بارزة تبدأ بالرئيس فؤاد السنيورة، مرورًا برئيس حزب القوات اللّبنانية سمير جعجع وعدد من قياديّي تيار المستقبل، ولا تنتهي عند النائبين فؤاد مخزومي وغسان حاصباني، والنائب السابق ميشال فرعون، والوزير السابق محمد شقير، فضلًا عن معظم المرشحين السنّة المحتملين في عكار وبيروت.

 

استئناف العلاقات السعودية يزعج "أبو عمر"

مع استئناف السعوديّة التواصل الرسمي مع السياسيّين اللّبنانيّين، وعودة العمل إلى سفارتها في بيروت، وتكليف الأمير يزيد بن فرحان بالملف اللّبناني، واجه "أبو عمر" أزمة حقيقية. وسرعان ما حاول احتواء الموقف عبر تحذير متّصليه بعدم التواصل مع الدبلوماسيّين السعوديّين لتجنّب إحراجهم، مؤكّدًا أن هؤلاء الموفدين لهم مهمّات محدّدة، بينما مهمّته تشمل التأثير على قرارات الديوان الملكي بشكل أوسع.

 

وبالرغم من ذلك، استمرّت أعمال "أبو عمر" من دون توقّف، إذ قرّر بعض المتعاملين معه عدم التشبيك مع ابن فرحان، معتبرين أنّ لديهم قناة سعوديّة رسميّة تُحسّن علاقاتهم بالمملكة، وهو ما أكّده رئيس حكومة سابق لمسامع زوّاره، فيما لاحظ الأمير يزيد بن فرحان برودة العلاقة مع بعض الشخصيات السياسية التي فقدت حماستها للتعاطي المباشر مع عريمط، أو تغيّر استقبالها له.

 

تحقيق سعودي – لبناني يكشف شبكة "أبو عمر"

تشير الصحيفة إلى أنّ أحد المرشحين في عكّار اتّصل بـ"أبو عمر"، ليلاحظ أنّ الهاتف يرنّ على طاولة مجاورة، ما كشف وجود شخص ينتحل صفة شيخ سعودي. وتبيّن لاحقًا أنّ هذا الشخص، ويدعى الحسيان، كان ملازمًا لعريمط ويحضر اجتماعاته.

 

شرع الأمير يزيد بن فرحان في تقصّي الحقائق حول "الأمير المزعوم"، وقابل عدداً من الشخصيات المرتبطة بعريمط، مطالباً إياهم بتسجيل جميع الاتصالات وتسليمها إلى مساعديه في بيروت. وبناءً على ذلك، جُمعت ملفات متكاملة تشمل مستندات صوتيّة عن ادعاءات "أبو عمر"، وأُرسلت إلى المملكة في منتصف تشرين الأوّل الفائت.

 

ويتردّد أنّ ابن فرحان خصّص جزءًا من زيارته الأخيرة لبيروت في تشرين الثاني لتسليم السلطات اللّبنانية ملف "أبو عمر". على إثر ذلك، بدأت مخابرات الجيش اللّبناني مراقبة الشخص المنتحل الحسيان، الذي كان متواجداً في سوريا، وتمّ القبض عليه عند حاجز الجيش على الحدود اللّبنانيّة. وتشير مصادر أمنيّة إلى أنّ الحسيان اعترف مباشرةً بعلاقته بخلدون عريمط وأنه كان يعمل لحسابه.