لبنان الرسمي يختار النار على باب الجنّة.. وهنا المفاجأة!
جان ماري توما-
أحيانًا نشتهي إشارة سماويّة تؤكد لنا أنّ هناك جنّةً ونارًا، لأنّ استكمال الحياة في ظل عالمٍ بلا عدالة، بات ثقيلًا على الروح.
نعيش في زمن يقف فيه الظالم أمام الكاميرات، يتفاخر بجرائمه ويتوعّد بالمزيد، بينما يطلّ المظلوم ـ إن كتب له أن ينجو من قصفٍ مباغت في نومه ـ هزيل الجسد، جائعًا، أو حاملاً جثث من أحبّ، ليس فقط بين يديه، بل على روحه التي أثقلها الحزن.
ألا يثير اشمئزازكم هذا العالم؟ أيّ عالم هذا الذي يسكت عن الجريمة حين تُبث على الهواء مباشرة؟ وأيّ أرضٍ هذه التي تسمح للظالم أن يسير مرفوع الرأس، بينما المظلوم يجرّ روحه المرهقة بين الدمار؟
لبناني.. فاجأني
كيف يمكن لعقل أن يتقبّل أنّ هناك من يقف على الموجة نفسها مع أخطر وأبشع كيان عرفه التاريخ الحديث؟ كيف يمكن أن يقدِموا على تنفيذ أي بند خارجي على حساب مطلبٍ وطني بديهي: انسحاب إسرائيل من النقاط المحتلّة؟
بعد أن شاهدنا المجازر التي طالت الأطباء والصحافيين والأطفال والعجائز، كيف يمكن أن أتّفق مع هذا الكيان؟ حتّى لو قال إنّ اللبن أبيض، فسأراه أسود. أخجل أمام ربّي أن أتبنّى ما يخدم مصلحة عدوّ، بل عدوّ الإنسانيّة.
سلام على المقاس الإسرائيلي؟
من لا يريد السلام؟ من لا يتمنى حياة بلا قصف ولا دماء ولا خوف؟ لكنّ السلام لا يُصنع مع مهندس الحروب وفنّان الإجرام، مع من يحترف كتابة سيناريوهات المجازر. أتذكرون "البيجر" في لبنان؟ أسمعتم صرخات الأطباء والمرضى وهم يحترقون في مستشفى كمال عدوان في غزة بعدما أضرمت إسرائيل النار فيه؟
كيف يطاوع الضمير بعضهم للتحدث عن التطبيع مع هذا المجرم؟ هل يصدقون أنّه يريد السلام مع من يطمع بأراضيهم التي يعتبرها حقّه الديني والتاريخي، ويسمّوها "الجليل الشمالي"؟ هذا كيان لم يتوقف عن الطمع منذ لحظة وجوده، ومنذ أول جريمة في فلسطين.
أتدرون أنّ أول توغّل إسرائيلي في لبنان كان عام 1948، حين ارتكب مجزرة حولا وقتل 93 مواطنًا؟ وقتها، لم تكن هناك أحزاب اليوم، ولم يكن هناك أي "مبرّر" سوى عقلية الاحتلال نفسها.
من الآخر
حتى لو كنتُ أعارض فريقًا سياسيًا منذ بداياتي، أخجل اليوم أن أهاجمه إذا كان هو الوحيد الذي يقف بوجه أبشع كيان في العالم، بينما تخلّت دول عربية، وبعض اللبنانيين، والمنظمات التي تُسمّى إنسانية ولا تحرّك ساكنًا عن الدفاع عن الحق في فلسطين.
إن كانت هناك جنّة ونار حقًا، فلعلّها خُلقت لأيام كهذه، ولأشخاص كهؤلاء. جنّة للمظلومين الذين رحلوا وهم متمسّكون بحقّهم وكرامتهم، ونار للظالمين الذين تباهوا بجرائمهم تحت عدسات الكاميرات. وإلى أن يأتي ذلك اليوم، سنظل نحمل إيماننا بعدالة السماء، ونتمسّك بواجبنا في الأرض: أن نقول كلمة الحق، وأن نقف بوجه القاتل، حتى لو وقفنا وحدنا. لأن الصمت أمام الجريمة… جريمة أكبر.. ونحن لسنا مجرمين!