أحمد نصرالله-
لا صوت يعلو فوق صوت الواقع العسكري! هذا ما تأكّدنا منه من خلال كل التجارب والحروب التي حصلت في لبنان والعالم، خصوصًا منذ أحداث 7 أوكتوبر حتى هذه اللحظة.
نتائج هذه الحرب على لبنان كانت مباشرة وقاسية جدًا، فالحرب الكبرى انطلقت بعد سلسلة الاغتيالات التي استهدفت مسؤولي الحزب، وفي طليعتهم الشهيد السيّد حسن نصرالله.
بعد هذا الحدث الأليم، دخلت بيئة الحزب في صراع كبير، فرَجُل الانتصارات والصدق استشهد، وضربات الحرب الكبيرة مع نتائجها غير المتوقعة حصلت، والتي بالمناسبة نعيش ذروتها في الفترة الأخيرة.
هل تزال ثقة البيئة موجودة بالحزب؟
صحيح أن الحب والثقة بكلام السيّد نصرالله كانا كبيرين لدى البيئة، لكن جزءًا كبيرًا من بيئة الحزب يثق بخيارات الشيخ نعيم والقادة الميدانيّين، لأنّهم يتبنون هذه القضية تبنّيًا روحيًا وعقائديًا، وبالتالي فهم مرتبطون بالجوهر لا بالأسماء فقط، بالإضافة إلى الحقد التاريخي لإسرائيل، والذي زاد أضعافًا بعد الحرب الأخيرة.
واقع ما بعد الحرب
خروقات يوميّة، شهداء، استهداف الضاحية 3 مرات بعد الحرب، احتلال لخمس نقاط جديدة بعد الـ"هدنة"، كل ذلك يؤكّد ألّا معادلة حقيقية اليوم، لا يوجد ردع سوى الردع الإسرائيلي، الردع الّلبناني غائب وسط عجز الدولة في تنفيذ أي قرار يخص الإسرائيلي، كذلك وسط تهافت مسؤولي الدولة في مهاجمة سلاح الحزب ليلًا نهارًا، وفي طليعتهم رئيس الحكومة نواف سلام.
أمام هذا الواقع الذي فرضته نتائج الحرب العسكريّة، لا يزال جزءًا كبيرًا من بيئة الحزب يشدّد على ضرورة التجهيز للحرب المٌقبلة، فكيف يُمكن فرض معادلة ردع من دون ردود أفعال، ماذا يخشى الإسرائيلي الآن؟ لا شيء، ربما أقصى ما يخشاه هو توبيخ أميركي لزيادة وتيرة التصعيد.
الانسحاب الإسرائيلي، وقف الخروقات، وقف نزيف الشهداء، كل ذلك لن يحصل سوى بالتطبيع والاستسلام البطيء، أو بفرض معادلة عسكرية جديدة عنوانها استعادة الحزب لقدراته الردعية التي غابت بسبب الخروقات.
هل استطاع الحزب ترميم قدراته؟
مع كل ضربة إسرائيلية لمستودع أسلحة للحزب، أو اغتيال، المنطق يقول بأن الإسرائيلي لا يزال قادرًا على خرق الحزب، وتدمير كل محاولاته لاستعادة قدراته العسكرية، وهذا ما يصرّح عنه المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، فهل هذا حقًا هو الواقع؟
الجواب السّريع، لا أحد يعلم! الأمين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم يتحدث بلهجة تراعي الواقع الجديد، لا حديث عن أي عملية تصعيد أو رد، فقط يوجد الضغط على الحكومة والدولة من أجل وقف الخروقات، مع التلميح بإمكانية تنفيذ أمور أخرى في المستقبل.
البيئة المقرّبة من الحزب تؤكّد عملية ترميم القدرات، والاستعداد لما هو مقبل، فالجميع يُمكن أن يحصل على هذه المعلومات غير الموثوقة طبعًا، ولكن يمكننا أن نسأل أيضًا: هل المستودع الذي يستهدفه الإسرائيلي هو أحد عشرات المستودعات التي يجري ترميمها وإنشاءها؟ والشاحنة التي استهدفها الإسرائيلي، هل تمّ تمرير عشرة غيرها؟
كلمة الثقة التي كانت موجودة لدى السيّد حسن نصرالله غابت مع استشهاده، خصوصًا بعد كل ما حصل في الحرب ونتائجها الكارثية حتى يومنا هذا، فـ"شعب المقاومة" لم يتخيّل يومًا بأنّه وبعد الـ2006، سنصل إلى يوم يتم فيه استهداف الضاحية الجنوبيّة ونحن على يقين بأنّنا لن نشهد أي رد، تنديد وإدانة ولهجة منكفئة تمامًا.
هاجز "الجنون الإسرائيلي"
تبقى حسابات معاناة الناس وتدمير أرزاقهم موجودة وبقوة على الطاولة، مع العلم يقينًا بأن الرد الأول للحزب على أي خرق ستكون نتائجه "جنون إسرائيلي" من أجل تثبيت المعادلة الموجودة الآن، فهل تذكرون إطلاق الحزب للصواريخ بعد أيام من وقف إطلاق النار؟ تم استهداف منزل مع استشهاد مدنيّين بالإضافة إلى سلسة غارات استهدفت الجنوب، مع العلم أن صواريخ الحزب استهدفت موقعًا فارغًا ولم يُجرح أي إسرائيلي.
الحزب يعلم ذلك جيدًا، الدخول في أي ردّة فعل يعني حرب كبرى وجنونيّة، وعدم الاستعداد لها سيعني معادلة أصعب من المعادلة المطروحة الآن، فمع الإسرائيلي لا اتفاقيّات ولا معاهدات تثبّت عملية "السلام على الحدود"، الذي يثبّت هذه العمليّة هو الصاروخ المضاد، هو دماء الإسرائيليّين، هو صفّارات الإنذار وتوقّف الملاحة والحركة التجاريّة في المرافئ، أما الإدانة فهي تزيد من ثقة هذا الكيان بنفسه، لا سيّما بعد الإنجازات التي حقّقها في ملف لبنان.
فهل حقًا استعاد الحزب قدراته العسكريّة، وهل حقًا بات قادرًا على فتح الحرب من جديد بمعايير جديدة تختلف عن التي حصلت في الحرب الأخيرة؟ أم أنّ فعلًا الإسرائيلي تمكّن من منع الحزب من إعادة بناء قدراته عبر استهدافاته اليوميّة، وبتنا أمام واقع جديد يعيدنا 20 سنة إلى الوراء؟