logo
logo
logo

مقالات

هل يبدأ فصل جديد في علاقة الحزب والسعوديّة؟

هل يبدأ فصل جديد في علاقة الحزب والسعوديّة؟

أريج كوكاش

شهدت الساحة اللّبنانية ردود فعل واسعة عقب دعوة الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، السعودية إلى فتح صفحة جديدة مع المقاومة، وذلك خلال خطاب ألقاه في 19 أيلول الحالي، الّذي شدّد خلاله على أنَّ تحوّل هذه العلاقة يجب أن تكون على قاعدة حوار شامل يعالج الإشكالات، ويؤكد أن إسرائيل هي العدو وليست المقاومة، مع التشديد على أن سلاح الحزب موجّه حصراً ضد الاحتلال الإسرائيلي.

 

إنَّ هذه الدّعوة أثارت عدّة تساؤلات، فالبعض اعتبرها محاولة من الحزب لكسب الوقت والتهرّب من تسليم سلاحه، بينما آخرون اعتبروها خطوة إيجابية وفعّالة في ظل التطورات الإقليمية والدولية، علما ً أنَّ قاسم وسّع دعوته لتشمل الداخل اللّبناني بكل أطيافه، حتى "خصومه"، مطالباً بعدم تقديم أي خدمة لإسرائيل عن قصد أو غير قصد، وبالعمل المشترك لبناء لبنان وتعزيز وحدته الوطنية.

 

لماذا اتّجه حزب الله الى الحوار في هذا التوقيت تحديداً؟
تعليقاً على هذه المجريات، اعتبر الكاتب والمحلّل السياسي قاسم قصير أنّ الخطاب جاء في ظل تطورات بارزة شهدتها المنطقة، من ضمنها تعرّض قطر للقصف الإسرائيلي، وإعلان نتنياهو بشكل صريح عن مشروع "إسرائيل الكبرى"، إضافة إلى فتح الباب لتعاون عربي وإسلامي، إلى جانب تقارب سعودي - إيراني واستعداد المملكة للانفتاح على الواقع الشيعي.  

 

إنَّ هذا التّغير اللّافت لخطاب حزب الله في حدّته ومضمونه، يطرح تساؤلات حول أسباب هذا التحول وإمكان صدور رد سعودي قريب. وهنا، يرى قصير أنّ هذا يعود إلى تلقي الحزب مؤشرات إيجابيّة من الرياض، إضافةً إلى التطورات المتسارعة في المنطقة. وأوضح أنّه رغم غياب أي موقف سعودي رسمي حتى الآن، إلّا أنّ تقديره أن المملكة ستتعاطى بإيجابيّة مع هذا التوجّه. كما شدّد على أن أي تعاون عربي-إسلامي من شأنه أن يعزّز الوضع الداخلي ويقوّي الموقف في مواجهة التهديدات الإسرائيليّة، لافتاً في الوقت نفسه إلى أنّ خطاب الشيخ نعيم قاسم ترك ارتياحاً واضحاً داخل بيئة حزب الله ورضى عن أدائه.

 

التطورات اللّبنانية والإقليمية قد تشكّل ضغطاً على حزب الله

في المقابل، رأى الصحافي والمحلّل السياسي جورج علم أن "من المبكر حسم خلفيّات الخطاب"، لكنّه أوضح أن البعد الدبلوماسي حاضر بقوة، وأنّ الحزب لم يعد قادراً على استعادة موقعه السابق بعد النقاشات والقرارات الداخلية اللّبنانية، وبعد الحرب الأميركيّة – الإسرائيلية على إيران وما خلّفته من أضرار وضغوط على طهران وحلفائها.

 

إلى جانب ذلك أشار علم أنَّ ورقة إعادة الإعمار ضاغطة على بيئة الحزب، إذ إنّ انطلاق عملية الإعمار مشروط – وفق الرؤية الأميركيةّ والإسرائيليّة والخليجيّة وحتى الأوروبيّة – بتسليم حزب الله سلاحه للدولة اللّبنانية.

 

ويستكمل علم قوله: "من الواضح أن المملكة العربيّة السعوديّة لا تتحرّك في هذا الملف من دون تنسيق مع الولايات المتحدة الأميركيّة، ويبدو أنّ دورها يتقاطع حالياً مع موقف الدولة اللّبنانية في ما يخص قضيّة السلاح. وفي حال تحقّق أي تقدّم في هذا الاتّجاه، قد تتمكّن الرياض من لعب دور محوري في ورشة إعادة الإعمار، وهو ما قد يفسّر لهجة الشيخ نعيم قاسم الأخيرة".

 

أمّا عن موقف إسرائيل، فيعتبر علم أنّها لا تعير مثل هذه الخطابات أي اهتمام، مستشهدًا بخطابات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهوالمتكرّرة التي يشدّد خلالها على أن الهدف هو القضاء على حزب الله بالكامل، لا على سلاحه فحسب. بالنسبة لتل أبيب، يبقى الخطر الاستراتيجي في إيران والمنظمات المتحالفة معها، وفي طليعتها حزب الله، وبالتالي فهي غير معنية بأي انفتاح سعودي في ملف الإعمار اللّبناني.

 

من جهة أخرى، يشير علم إلى أنَّ هذا هو نوع من الاستدارة في خطاب الحزب، أشبه بانعطافة سياسية قد تصل إلى 180 درجة، من خلال الإشارة إلى إمكانية التفاهم مع الدولة اللبنانية وتسليم سلاحه لها مقابل ضمانات بدعم سعودي–خليجي في إعادة الإعمار. هذه المؤشرات توحي بحراك دبلوماسي ناشط في الكواليس، إلا أن الحكم النهائي يبقى رهن ما ستكشفه الأيام المقبلة.

 

أسباب تغيّر مواقف حزب الله
إضافة إلى ما سبق، يلخّص جورج علم أسباب تغيّر خطاب حزب الله بعدة عوامل رئيسيّة.

أولاً: ”لم تعد سوريا، بعد الحرب، ممرّاً آمناً للسلاح الإيراني، ما قطع شرياناً أساسياً كان يمد الحزب بالدعم العسكري واللوجستي.

ثانياً: "تعاني إيران من أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة ازدادت حدة مع إعادة تفعيل عقوبات "سناب باك"، الأمر الذي قلّص قدرتها على تمويل الحزب وتسليحه".

ثالثاً: باتت البيئة اللبنانية أكثر رفضاً لاستمرار هيمنة السلاح خارج مؤسسات الدولة، في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة.

أخيراً: تجميد أو تقليص المساعدات المالية التي كان الحزب يقدّمها لبيئته انعكس تململاً داخلياً واستياءً في حاضنته الشعبية.


السعودية بين واشنطن وطهران
أيضاً، اعتبر علم أن السعودية لن تدخل في حوار مباشر مع الحزب، بل مع الدولة اللّبنانية أو عبر إيران، مشيراً إلى دلالات زيارة علي لاريجاني الأخيرة إلى المملكة ولقائه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان. ولفت إلى أن السعودية قد تموّل إعادة إعمار الجنوب والضاحية والبقاع في حال تحقق تقارب مع إيران، ما يتيح للحزب العودة إلى دوره السياسي والنيابي بدلاً من موقعه العسكري المثير للجدل.
 في الختام مما لا شك فيه أنّ المملكة العربية السعودية ساعدت لبنان بشكلٍ دائم، منذ ما قبل اتفاق الطائف حتى، سياسيًا وماليًا، وكانت لاعبًا أساسيًا في إعادة الإعمار، واستمرت في دعم لبنان في التسعينيات وبداية الألفية الجديدة. والمملكة كانت تعي حجم الهدر والفساد الموجود في لبنان، لكنّها ساعدته انطلاقًا من كونه دولة شقيقة، ومن وجود الرئيس الشهيد رفيق الحريري في رئاسة الحكومة، صاحب العلاقة المميّزة مع الرياض. لكن هذه السياسة انتهت قبل عقد تقريبًا، لجملة من الأسباب، أهمها كان الشق السياسي بينها وبين حزب الله بحيث كانت تعتبر المملكة أنّ حزب الله يسيطر على القرار اللبناني منذ العام 2008، واستفادته من المساعدات الخارجية من جهة، وتقويض القرار السيادي للدولة وأجهزتها من جهة أخرى.

 

فهل ستكون هذه الصفحة الجديدة التي تحدث عنها نعيم قاسم بادرة أمل و عودة للعلاقات بين لبنان ودول الخليج؟ وهل فعلاً لدى حزب الله النية للحوار وتقديم التنازلات أم أنّ الأمر لا يتعدّى كونه مناورة  إعلامية؟