logo
logo
logo

صحة

التطبيقات الرقمية... وتأثيرها الخفي على صحتك النفسية

التطبيقات الرقمية... وتأثيرها الخفي على صحتك النفسية

في عالمٍ لا يتوقّف عن الركض، وبين ضغوط الحياة المتسارعة والضجيج الرقميّ المستمر، أصبحت الصحّة النفسيّة أكثر هشاشة من أيّ وقتٍ مضى. ومع ذلك، برزت التكنولوجيا كلاعبٍ جديد في ميدان الرعاية النفسية، ليس كمجرّد وسيلة تشتيت، بل كأداة علاجية تحمل إمكانات كبيرة، خصوصًا مع انتشار ما يُعرف بالصحة النفسية الرقميّة.

 

تطبيقات مثل Calm وHeadspace وShine غيّرت طريقة تعامل الناس مع ضغوطهم اليومية، إذ لم تعد العناية بالصحّة العقليّة حكرًا على الجلسات العلاجيّة التقليديّة، بل أصبحت متاحة من خلال هواتفنا الذكية. تقدّم هذه المنصّات جلسات تأمّل موجّه، تمارين تنفّس عميق، تتبّع يومي للمزاج، وحتى استشارات نفسيّة عن بُعد، وكلّها أدوات تُسهم في التخفيف من القلق والتوتّر وتحقيق قدر من التوازن الذاتي.

 

تشير الدراسات إلى أنّ سوق تطبيقات الصحّة النفسيّة يشهد نموًّا متسارعًا، يُتوقع أن يتجاوز 16.5 مليار دولار أميركيّ بحلول عام 2030، مع معدل نمو سنويّ مركّب يبلغ 14.6% خلال الفترة بين 2025 و2030. هذا النمو يعكس إقبالًا متزايدًا من الأفراد على حلول رقميّة للعناية بذواتهم، لا سيّما في بيئة يطغى عليها التسارع والعزلة.

 

وإلى جانب التطبيقات، يلعب الذكاء الاصطناعي دورًا متقدّمًا في دعم الصحّة النفسيّة، من خلال روبوتات الدردشة مثل ChatGPT وReplika التي باتت تُستخدم كمساحات آمنة للفضفضة ومشاركة الأفكار والمشاعر. هذه الأدوات الرقميّة توفّر تفاعلًا إنسانيًّا أوليًّا، وتساعد المستخدمين على إدارة أفكارهم والتقليل من حدّة التوتّر. ومع ذلك، يُشدّد المتخصّصون على ضرورة التعامل معها كأدوات داعمة لا كبدائل للعلاج النفسي المتخصّص، لأنّها تفتقر للتشخيص السريريّ والدقّة التي يوفّرها العلاج الإنسانيّ المباشر.

 

اللافت أنّ الأطفال والمراهقين أصبحوا من بين الفئات المتزايدة استخدامًا لهذه الأدوات، خصوصًا مع ظهور تطبيقات موجّهة إليهم مثل Troodi، التي تستهدف مساعدتهم في التعبير عن مشاعرهم بطريقة بسيطة وتفاعليّة. ورغم الجوانب الإيجابيّة في هذا التوجّه، تظهر تحديات تتعلّق بالأمان الرقميّ وخصوصيّة البيانات، فضلًا عن الحاجة إلى إشراف بالغ عند استخدام هذه المنصّات من قِبل الفئات الصغيرة.

 

ومن أبرز المخاوف المرتبطة باستخدام هذه التطبيقات: الاعتماد المفرط عليها، مما قد يعمّق العزلة الاجتماعية بدل معالجتها، وجمع البيانات الشخصية الحسّاسة للمستخدمين التي قد تُستغل تجاريًّا، بالإضافة إلى غياب الموثوقية العلميّة لدى عدد كبير من هذه المنصّات غير الخاضعة لإشراف طبيّ مختص.

 

ولكي يكون استخدام هذه الأدوات آمنًا وفعّالًا، يوصي الخبراء بعدم اعتبارها بديلاً عن العلاج النفسيّ، بل مكمّلًا له، واختيار التطبيقات المعتمدة من جهات طبيّة موثوقة، والاطلاع على سياسات الخصوصية قبل الاستخدام. كما يُفضَّل إشراف الأهل أو المختصّين عند استخدام الأطفال والمراهقين لمثل هذه الأدوات.

 

رغم كلّ ما سبق، لا يمكن إنكار أنّ هذه التطبيقات الذكيّة قدّمت دعمًا حقيقيًّا لشرائح واسعة من الناس، وفتحت بابًا جديدًا أمام من لا يستطيعون تحمّل تكاليف العلاج، أو أولئك الذين يواجهون وصمة اجتماعيّة تمنعهم من زيارة العيادات النفسيّة. لكن، ومهما بلغت فعاليّة هذه الأدوات، تظلّ مجرّد وسائط تقنيّة، لا تغني عن التواصل الإنسانيّ الحقيقي، ولا تحلّ مكان الجلسات العلاجيّة العميقة التي يوفّرها الأخصّائيّون.