تأجّلت الزيارة التي كان مقرّرة أن يقوم بها وفد رسمي سوري إلى بيروت يوم الخميس، لتُرجأ إلى مطلع الأسبوع المقبل. هذا التأجيل، وإن بدا شكليًّا، ولكن له دلاللاته.
وبحسب المعلومات، فإن وفدًا تقنيًا برئاسة مسؤول الشؤون العربية في وزارة الخارجية السورية، محمد الأحمد، سيحطّ في بيروت مع بداية الأسبوع لإجراء سلسلة لقاءات تمهيدية. الهدف منها رسم الخطوط الأولى لاجتماعات اللجنة الموسّعة التي ستضم مسؤولين من وزارات العدل والداخلية والخارجية والدفاع، إضافة إلى ممثلين عن الأجهزة الأمنية والاستخبارات.
المباحثات المرتقبة ستتطرق إلى ملفات حساسة، في طليعتها قضية الموقوفين السوريين في السجون اللبنانية، إلى جانب ضبط الحدود والسعي إلى ترسيمها، فضلاً عن وضع آلية منظّمة لحركة الدخول والخروج بين اللبنانيين والسوريين. وهي ملفات طالما شكّلت مادة خلافية، وأثارت تجاذبات سياسية داخل لبنان في ظل الانقسام حول العلاقة مع النظام السوري.
وتشير مصادر مطّلعة لصحيفة "المدن"، إلى أنّ خلفيات التأجيل مرتبطة مباشرةً بملف السجناء السوريين. فدمشق تشترط أن تبدي بيروت استعدادًا واضحًا للتعامل مع هذا الملف بجدية، إذ تطالب باستعادة جميع مواطنيها الموقوفين في السجون اللبنانية. وهي، بحسب المصادر نفسها، مستعدة لتوقيع اتفاقية مع الجانب اللبناني تسمح بنقل الموقوفين، سواء لإعادة محاكمتهم في سوريا أو لاستكمال فترة محكومياتهم في السجون السورية.
مهمة الوفد التقني، إذاً، ليست بروتوكولية فحسب، بل اختبارية بالدرجة الأولى. فبناءً على ما سيلمسه من تجاوب أو تلكؤ من الجانب اللبناني، سيتحدد موعد زيارة الوفد الموسّع والإجراءات العملية التي قد تفتح الباب أمام إطلاق سراح الموقوفين السوريين.
بهذا المعنى، تبدو دمشق وكأنها تضع الكرة في ملعب بيروت، واضعة شرطها الأساسي قبل أي خطوة مقبلة: الجدية في التعاطي مع ملف الموقوفين، باعتباره المدخل إلى بقية الملفات الثنائية.
خلاصة
لكن الأبعاد السياسية تتجاوز الجانب التقني. فالملف يتقاطع مباشرة مع مسألة النزوح السوري وضغوط المجتمع الدولي على لبنان لإبقاء اللاجئين بعيدًا عن العودة القسرية، فيما يستخدم النظام السوري ورقة الموقوفين كإشارة إلى أنّ التعاون مع دمشق هو الممر الإلزامي لأي حل. وبين هذين الحدّين، يجد لبنان نفسه محاصرًا بين حقّ داخلي بإنهاء عبء النزوح، وضغوط خارجية تقيّد خياراته، وشروط سورية تسعى إلى إعادة تثبيت حضورها على الساحة اللبنانية.