
لبنان، بلد الجبال الساحرة والسواحل الخلابة، يعيش على صفيح ساخن تحت أقدام سكانه. فالأرض التي تدعم المدن التاريخية والقرى العتيقة ليست هادئة كما تبدو، إذ تقع البلاد على خط صدع القلزق السوريّة-الأفريقيّة "Dead Sea Transform Fault"، وهو حزام صدعي يفصل بين الصفيحة العربية والصفيحة الإفريقية، ما يجعل لبنان معرّضًا لهزّات أرضيّة عنيفة ومتكرّرة.
شهد الساحل اللّبناني في عام 365م واحدة من أعنف الكوارث الطبيعيّة في تاريخه، حين وصلت موجات تسونامي ضخمة إلى بيروت عقب زلزال هائل ضرب جزيرة كريت بقوة تجاوزت ثماني درجات. وقد بلغت الأمواج نحو عشرة أمتار، فاجتاحت المرافئ والمناطق الساحلية وألحقت دمارًا واسعًا بالسفن والمنشآت. شكّل هذا الحدث تذكيرًا مبكرًا بأن شرق المتوسط منطقة نشطة زلزاليًا، وأنّ تأثيرات الزلازل البعيدة قد تصل إلى الشواطئ اللبنانية بقوّة مدمّرة.
يُعتبر زلزال بيروت 551 م من أقوى الزلازل في تاريخ الساحل اللّبناني، حيث قدّرت قوّته بنحو 7.5 على مقياس ريختر، وأدّى إلى تسونامي مدمّر على الساحل، حيث تراجع البحر فجأة ثم عاد بموجة ضخمة غمرت المدن الساحليّة من طرابلس شمالاً إلى صور جنوباً.
وتُقدّر المصادر التاريخيّة عدد الضحايا في بيروت وحدها بأكثر من 30,000 شخص. كما شعرت بالزلزال العديد من المدن الساحلية الكبرى مثل صور، صورف، صفد، بيبلوس، طرابلس، وتفاوتت شدّة الدمار حسب قربها من مركز الهزّة.
وتشير الدراسات الجيولوجيّة الحديثة إلى أنّ احتماليّة حدوث زلزال مماثل في المستقبل ليست مستبعدة، مما يجعل فهم هذا الحدث التاريخي ضرورة للتخطيط العمراني والاستعداد للكوارث، إذ لم يكن زلزال 551 مجرد هزة، بل نهاية مؤقتة لمدينة بيروت وبداية تحوّل جغرافي على الساحل الفينيقي القديم.
ضربت سلسلة زلازل مدمّرة شرق البحر المتوسط، وشملت بشكل خاص شمال لبنان وسوريا وفلسطين. بدأت الهزات الأولى في 30 تشرين الأول وتبعتها الهزة الكبرى في 25 تشرين الثاني، بقوة تجاوزت 7.0 على مقياس ريختر، مسببة دمارًا واسعًا في المدن والقرى، إذ تأثّرت مدن مثل بعلبك، بيروت، طرابلس، عكا، ونابلس، وانهيار أجزاء من آثار بعلبك التاريخيّة، بالإضافة إلى تدمير كبير في بيروت.
وتشير المصادر إلى أن عدد الضحايا تراوح بين بضعة آلاف وعدة عشرات آلاف حسب المنطقة المتضررة، فيما تؤكد الدراسات الجيولوجية أن الزلزال مرتبط بـفالق اليمونة، ليُعتبر أحد أقوى الزلازل التاريخية في شرق المتوسط، ويظهر أن خطر الزلازل في لبنان لا يقتصر على الساحل فقط، بل تشمل الجبال والقرى الداخلية أيضًا.
رغم أن لبنان لا يزال يسجّل هزات صغيرة بين الحين والآخر ، إلّا أنّ هذه الأحداث ليست سببًا للذعر، بل دعوة للتعامل بوعي مع واقع طبيعي عرفه لبنان عبر تاريخه. فالأرض التي تهتز أحيانًا لا تهدف لإخافتنا، بل لتذكيرنا بأهميّة البناء السليم والتخطيط الآمن، وأنّ الاستثمار في ترميم المباني القديمة، واعتماد تقنيّات مقاومة للزلازل، وتعزيز التخطيط العمراني الذكي، إلى جانب نشر التوعية وتطوير الدراسات الجيولوجيّة، كلّها خطوات تجعل مدننا وقرانا أكثر أمانًا واستقرارًا.