
-آلاء الحاج حسن-
في كل مرة يشتعل فيها صراع في الشرق الأوسط، تُطرح الأسئلة ذاتها: لماذا منطقتنا تحديدًا؟ ولماذا تبدو وكأنها المسرح الإجباري لكل تنافس دولي؟ الحقيقة أن المعارك التي نشهدها ليست سوى جزء صغير من لعبة سياسية أكبر بكثير، بدأت منذ أكثر من قرن حين وضع الجغرافي البريطاني هالفورد ماكندر نظريته الشهيرة عن الهارتلاند(Heartland)، وواصل الأميركي نيكولاس سبايكمان صياغتها بطريقة عصرية ضمن مفهوم الريملاند(Rimland). ومنذ تلك اللحظة، تحوّلت منطقتنا إلى رقعة شطرنج عالمية تديرها القوى الكبرى من خلف الستار، بينما يدفع أهلها ثمن الحروب.
رأى ماكندر أن القوة الحقيقية لأي إمبراطورية تكمن في السيطرة على "قلب العالم" أو الهارتلاند: المنطقة الممتدة من شرق أوروبا عبر روسيا وآسيا الوسطى.
أما سبايكمان فقد اعتبر أن مفتاح السيطرة على الهارتلاند هو الريملاند، أي الشريط الساحلي المحيط به، من الشرق الأوسط إلى الخليج والهند والصين.
بمعنى آخر:
من يسيطر على الشرق الأوسط، يسيطر على الريملاند. ومن يسيطر على الريملاند، يتحكم بقلب العالم. ومن يتحكم بقلب العالم، يكتب قواعد النظام الدولي.
وهكذا تحوّل الشرق الأوسط من مجرد منطقة جغرافية إلى ممر إجباري للقوة العالمية.
منذ تأسيسها، نظر صانع القرار الأميركي إلى إسرائيل على أنها قلعة متقدمة في منطقة لا يمكن تركها بلا نفوذ مباشر. لم تكن إسرائيل مشروعًا دينيًا، بل أداة استراتيجية لأهداف أكبر:
ما يحدث في المنطقة اليوم من لبنان وفلسطين إلى سوريا والعراق واليمن، ليس مجرد خلافات محلية أو صراعات حدودية. إنه استمرار للعبة الكبرى التي تخوضها القوى العظمى:
• أميركا تريد الحفاظ على قيادة النظام العالمي ومنع صعود منافس آسيوي أو أوراسي.
• روسيا تسعى لكسر الطوق الذي فرض عليها منذ الحرب الباردة.
• الصين تريد تأمين طريق الحرير الجديد وموارد الطاقة.
وكل طرف يفضّل تنفيذ أهدافه بأيدي الآخرين: فصائل، جماعات مسلحة، أنظمة محلية… بينما يبقى الشرق الأوسط ساحة مفتوحة لحروب ليست حروبه.
هذه هي المفارقة المريرة:
الشرق الأوسط أهم منطقة في العالم استراتيجياً، لكنه الأقل تأثيرًا في مصيره. تتصارع القوى الكبرى على أرضه لأنه جزء من هندسة السيطرة العالمية، لا لأنه مجرد بؤرة توتر.
وهكذا تتحول الحروب إلى معارك غيرنا على أرضنا، وتصبح الأنظمة والفصائل أدوات في لعبة أكبر من الجميع.
وما لم يدرك العالم العربي هذه الحقيقة، ويتعامل معها كوحدة جيوسياسية لا كجزر متفرّقة، ستبقى المنطقة رقعة الشطرنج التي تتحرك فوقها أحجار الكبار ويدفع ثمنها الأبراء.