logo
logo
logo

مقالات

اغتيالٌ بضربة جراحية: لماذا ضُربت حارة حريك بقنبلة ذكيّة… وليس بصاروخ؟

اغتيالٌ بضربة جراحية: لماذا ضُربت حارة حريك بقنبلة ذكيّة… وليس بصاروخ؟

جان ماري توما-

 

أثار نوع الذخيرة المستخدمة في استهداف حارة حريك كثيرًا من الجدل، خصوصًا بعد تداول صور تظهر بقايا قنبلة GBU‑39 أميركية الصنع، ما دفع البعض إلى التساؤل: لماذا لجأت إسرائيل إلى هذه القنبلة بالتحديد، بدل استخدام صاروخ تقليدي؟

في الحقيقة، اختيار الـGBU-39 لم يكن صدفة، بل خطوة مدروسة تعكس طبيعة الهدف، والبيئة العمرانية، والدقة المطلوبة. فهذه القنبلة، التي تُعرف بـ"القنبلة الانزلاقية الذكيّة"، ليست مجرّد ذخيرة عادية، بل سلاح صُمّم ليُنجح الاستهداف أينما كان.

 


ضربة جراحيّة في قلب منطقة مكتظّة

من المعروف أنّ حارة حريك هي واحدة من أكثر المناطق السكنية ازدحامًا، حيث تتداخل المباني والشوارع الضيّقة.

في بيئة كهذه، يكون الاعتماد على صاروخ تقليدي محفوفًا بالمخاطر، لأن دائرة خطأ الصواريخ تكون أحيانًا أكبر، وقد تؤدي إلى تدمير واسع.

هنا يبرز جوهر الـ GBU‑39، القنبلة التي تتميّز بدقّة استثنائية، تصل إلى خطأ أقل من 5 أمتار، ما يجعلها مثالية لضرب:

-غرفة محدّدة
-شقة داخل مبنى
-هدف صغير بين مبانٍ سكنية

هذه الدقّة هي ما يُسمّى عسكريًا بـ"الضربة الجراحيّة".

1.jpg

 

قوة اختراق تُصيب الداخل وليس الخارج

رغم حجمها الصغير، تتمتّع الـGBU‑39 بقدرة عالية على اختراق الجدران والإسمنت قبل انفجارها داخل الهدف، ما يقلّل من الضرر الخارجي ويوجّه الطاقة التدميرية إلى الداخل مباشرة.

على العكس، كثير من الصواريخ تنفجر لحظة اصطدامه، وهو ما يوسّع دائرة الأضرار.

 

أقل تلوّث بصري… وأقل ضجّة
سمّى بعض الخبراء هذه الذخيرة بـ "القنبلة الصامتة"، فهي تنزلق بلا محرّك، بلا دخان، وبشكل شبه غير مرئي على الرادار.

ولهذا السبب صدى الضربة اليوم لم يكن واسعًا، إذ سمع في محيط الاستهداف فقط، ولا يُقارن بقوّة صوت الاستهدافات أيّام الحرب، رغم المشهد الرمادي الذي شاهدناه.

وهذه القنبلة تتحرّر من الطائرة بانزلاق الهادئ يسمح للطائرة بإطلاقها من مسافة بعيدة – قد تتجاوز 80 كلم، من دون الحاجة إلى الاقتراب أو كشف نفسها.


خيار عملي من حيث الكلفة والحمولة

تُعد الـGBU‑39 من أرخص الذخائر الدقيقة مقارنة بالصواريخ الموجّهة، ويمكن للطائرة الواحدة حمل عدد كبير منها. 

والدليل استهداف اليوم: حملت الطائرة الحربيّة ستّ قنابل واستهدفت بها الشقّة السكنيّة المحدّدة عبر نظام تحديد المواقع.

ed19aa68-3e09-4031-881f-e34e021cefc0.jpg


بيئة الهدف فرضت نوع السلاح

الصواريخ تُستخدم عادة عندما يكون الهدف مساحة كبيرة أو بعيدًا أو يحتاج قوة انفجار عالية.

أمّا في حال حارة حريك اليوم، فالمطلوب كان:

-ضرب هدف نوعي داخل مبنى
-من دون تدمير مئات الأمتار حوله

وعادةً يكون المطلوب أيضًا عدم كشف الطائرات ولكن هذا المطلب غير مهم في داخل بيروت حيث لا قوّة دفاعيّة.

 

صورة إسرائيل أمام عالمنا الظالم

في المحصّلة، لم يكن اختيار قنبلة GBU‑39 تفصيلاً عابرًا، بل قرارًا مدروسًا يخدم هدفًا محدّدًا: التخلّص من قيادي في الحزب ، المستهدف، من دون إحداث أضرار واسعة وتجنّب مشهد يبدو كأنّ بيروت تلقّت "ضربة كبرى" تسبّبت بمجزرة بحق المدنيين. وبذلك تكون إسرائيل غير محرجة أمام المجتمع الدولي غير العادل وغير المنطقي في رؤيته، فبالنسبة للمجتمع الدولي إن كان المستهدف ومن حوليه من "البيئة الشيعيّة" فليسوا مدنيّين. وهنا يكمن الظلم.

ورغم ذلك، يبقى ما حصل اعتداءً مباشرًا وخرقًا واضحًا، مهما كانت الذخيرة المستخدمة "أصغر" أو "أدق". فالنتيجة واحدة: استهداف في قلب العاصمة يضع علامات استفهام كبرى حول المرحلة المقبلة.