- كتب أحمد نصرالله -
تشهد منطقة السويداء في الجنوب السوري، ذات الغالبية الدرزية، معارك عنيفة منذ يومين بين "البدو" المدعومين من قِبل قوات الأمن العام التابعة للنظام، وبين أهالي السويداء المسلحين.
أسفرت هذه المواجهات عن سقوط عشرات القتلى حتى الآن، وانتشرت مشاهد قاسية لجثث الضحايا من الطرفين، بالإضافة إلى أسر عدد من عناصر الأمن العام على يد أبناء السويداء. وفيما زعمت قوات الأمن أنها تدخلت لفض النزاع، يعلم الجميع – بمن فيهم مؤيدو النظام – أن الحقيقة مغايرة تمامًا.
بعيدًا عن النقاش حول من بدأ هذه المعركة وكيف ستنتهي، من الضروري إدراك أن هذا السيناريو مرشح للتكرار في مناطق سورية أخرى، خصوصًا تلك التي تضم أقليات، وذلك بعد المجازر الأخيرة التي وقعت في الساحل السوري.
السبب الجوهري لهذه الصراعات يكمن في محاولات تهميش أو إلغاء وجود طائفي، وخوف الأقليات على مصيرها. فعلى سبيل المثال، بعد دعوة الأمن العام أبناء الساحل لتسليم سلاحهم قبل ثلاثة أشهر، وقعت مجازر مروعة راح ضحيتها مدنيون من كبار السن والنساء والأطفال.
هذا الواقع فهمه أبناء الطائفة الدرزية وسكان السويداء. لا يخفى على أحد أن الفكر المسيطر حاليًا في سوريا، أو الذي يمسك بزمام الحكم، هو فكر إسلامي متشدّد، يرى في السنّي المعتدل، خصمه الأول قبل الشيعي، والدرزي، والعلوي، والمسيحي.
هذا التيار الحاكم انبثق من هيئة تحرير الشام، وهي منظمة لا تقبل الآخر، ولا تعترف بوجود طائفة مغايرة، ولا تقبل بالرأي المختلف. إنه فكر إلغائي متشدّد، يقوم على التصفية وإنهاء الوجود، وهو ما بدأ يشعر به أبناء الطوائف كالدروز والمسيحيين في سوريا، وبدأت ملامحه تظهر لدى الموارنة والدروز في لبنان أيضًا.
متى ستنتهي هذه المواجهات في سوريا؟
لا شك أن طريقة رحيل بشار الأسد ووصول أحمد الشرع إلى الحكم، كانت مؤشرًا حتميًا على صراعات جديدة في سوريا. ففكر بشار القمعي والدكتاتوري ولّد خوفًا في نفوس السوريين، أما الفكر المتشدّد الإلغائي، فيولّد شعورًا بالحاجة لحماية الوجود، وفي حال الفشل سيصبح التفكير في الهجرة، وهذا ما تمّ الترويج له من قبل العديد من وسائل الإعلام الأجنبية، وفي مقدمتهم الأسوشيتد برس وفرانس 24 ووول ستريت جورنال.
إذًا، الحالة الوحيدة لعودة "الأمن" إلى سوريا، هي إما من خلال وصول سلطة جديدة بفكر منفتح، غير قمعي، ديمقراطي، مدعومة برعاية أجنبية، أو من خلال سيطرة فكر الشرع على كامل الأراضي السورية. وفي هذا السيناريو الصارم، سيكون مصير الأقليات إما التصفية، كما حدث في الساحل، أو الهجرة، كما يتم التداول به في الأوساط الأميركية.
الوضع العسكري في سوريا
لا تزال قوات الأمن العام تُحكم سيطرتها على معظم المناطق ذات الوجود غير الإسلامي، فالدعم الأميركي الكبير، إلى جانب الأعداد الضخمة من المقاتلين، والخبرة القتالية التي اكتسبها العديد منهم خلال سنوات الحرب، تمنح هذه القوات قوة ميدانية واضحة. لذلك، من المتوقع أن يكون مصير السويداء مشابهًا لمصير الساحل، ما لم يحدث تدخل خارجي يحول دون انهيار صورة نظام الشرع بشكل كامل.
إنّ تكرار التمرد في عدة مناطق سيساهم في خلق حالة من القلق، ويزيد من تدهور الوضع الأمني الهش أصلًا في سوريا. ومع الوضع الاقتصادي الكارثي، والذي من غير المرجح أن يتحسن حتى بعد رفع العقوبات، ستكون النتيجة صراعات متتالية لا نهاية لها، قد تؤدي في النهاية إلى تقسيم البلاد، خصوصًا مع دخول القوى الإقليمية الكبرى على خط المواجهة.
المصدر: مقال رأي