logo
logo
logo

مقالات

ما الذي خطّط له فرانسوا الحاج داخل الجيش… فدفع حياته؟

ما الذي خطّط له فرانسوا الحاج داخل الجيش… فدفع حياته؟

جان ماري توما-

 

قبل 18 عامًا، استفاقت منطقة بعبدا على انفجار عنيف. لم يطل الوقت قبل أن تتضح الصدمة: اغتيال اللواء فرانسوا الحاج، أحد أبرز العقول العسكرية في تاريخ الجيش اللبناني، والرجل الذي شكّل رمزًا لمكافحة الإرهاب ومشروعًا لقيادة جيشٍ أقوى وأكثر تحرّرًا من الضغوط السياسية.

كان وقع اغتياله ثقيلًا. لم يكن الحاج مجرّد ضابط رفيع، بل كان يُنظر إليه داخل المؤسسة العسكرية كأحد أعمدتها الصلبة: قويّ الشخصية، حازم، نزيه، وغير قابل للمساومة. رحيله لم يكن حدثًا أمنيًا فحسب، بل علامة على حجم الصراع الذي دار حول مستقبل الجيش ودوره.

 

جيش شجاع… لكنه مكبَّل

منذ سنوات طويلة، يُجمع اللبنانيون على أنّ الجيش يتمتّع بشجاعة عناصره ونزاهتهم، لكنهم يعرفون في المقابل أنّ قدراته تبقى رهينة الظروف: نقص في العتاد، ضعف في التمويل، وتدفّق مساعدات دولية كثيرًا ما كانت مشروطة.
فبعض المساعدات الأميركية، على سبيل المثال، حدّدت سقفًا واضحًا لا يتجاوزه الجيش، خصوصًا حين يتعلّق الأمر بمواجهة أي تهديد يأتي من إسرائيل. كانت تلك معادلة ثابتة: مساعدة مشروطة، وقدرات محدودة، وواقع سياسي ضاغط.

ورغم ذلك، ظلّ الجيش يمسك الأمن الداخلي، يواجه التنظيمات الإرهابية، يفرض الاستقرار، ويحارب على الحدود… بأقلّ الإمكانات وبأعلى درجات التضحية.

 

الضابط الذي أراد جيشًا مختلفًا

داخل هذه المعادلة، برز اسم اللواء فرانسوا الحاج. كان من الضباط الذين آمنوا بأن الجيش قادر على تجاوز قيوده، وأن تطويره لا يجب أن يكون تابعًا لشروط سياسية أو لضغوط خارجية.
لم يكن يتقبّل فكرة “الجيش المحدود القدرة”. آمن بالعكس تمامًا: أن الجيش يمكن أن يكون قويًا، مستقلًا، وحرّ القرار.

 

معركة نهر البارد… الامتحان الأكبر

عام 2007، وقف الجيش أمام واحدة من أخطر المواجهات في تاريخه: معركة نهر البارد ضد تنظيم فتح الإسلام.
كان الحاج، العقل العسكري المدبّر للعملية. وضع خططًا دقيقة رغم تعقيدات المعركة، حافظ على المدنيين قدر الإمكان، وقاد صمودًا طويلًا أنهى وجود التنظيم.
كانت تلك المعركة نقطة تحوّل: الجيش يواجه تنظيمًا متطرّفًا للمرة الأولى بهذا الحجم، وينتصر رغم كل النواقص.

بعد نهر البارد، بات اسم الحاج مطروحًا بقوة لقيادة الجيش. في المؤسسة العسكرية، كان يُنظر إليه كرجل لا يُطوّع سياسيًا، ولا يخضع لأي وصاية. كان صاحب مشروع: بناء جيش بقدرات حقيقية، بعقلية قتالية حديثة، وبقرار وطني مستقل.

 

مشروعه… واغتياله

عمل الحاج على إدخال تدريبات جديدة، رفع مستوى الوحدات الخاصة، وتعزيز مفهوم "العقلية القتالية" داخل الجيش. كان يدفع باتجاه جيش لا تُفرض عليه الخطوط الحمر.

كان يخطّط لمؤسسة عسكرية مختلفة. وربما لهذا السبب تحديدًا، استُهدف.

رحيل الحاج لم يكن اغتيالًا لضابط فحسب، بل اغتيالًا لمشروع يطمح إلى تحرير الجيش  وتطويره، وإطلاق مرحلة جديدة من القوة والاحتراف.

 

 

يبقى اسم اللواء فرانسوا الحاج، بطل نهر البارد، حاضرًا في ذاكرة الجيش وفي ذاكرة اللبنانيين كواحد من الضباط الذين فتحوا الباب أمام فكرة تغيير واقع المؤسسة العسكرية.
واليوم، بعد عشرين عامًا، لا يزال السؤال نفسه مطروحًا: هل يمكن لجيش لبنان أن يصبح ما أراده اللّواء الحاج؟