logo
logo
logo

الأخبار

من التصعيد إلى التهدئة: كيف أعاد ترامب رسم حدود اللعبة؟

من التصعيد إلى التهدئة: كيف أعاد ترامب رسم حدود اللعبة؟

في تطوّر غير متوقّع، أسدل الرئيس الأميركي دونالد ترامب الستار على أحد أكثر الأسابيع تصعيدًا في الشرق الأوسط بإعلان هدنة مفاجئة بين إيران وإسرائيل، بعد سلسلة من الضربات الجوية المتبادلة والتوتّرات التي كادت تُشعل حربًا إقليمية شاملة.

 

لكن رغم الإعلان، لا تزال الأسئلة الجوهرية حول مستقبل سياسة واشنطن في المنطقة معلّقة، وسط غموض يلفّ مراكز القرار، بعد أن حصر ترامب إدارة الملف الأمني في دائرة ضيّقة من المستشارين داخل البيت الأبيض، متجاوزًا الهياكل التقليدية للأمن القومي والدبلوماسية.

 

التحوّل في خطاب ترامب بدا صادمًا حتى داخل إدارته. فبعد سنوات من سياسة "الضغوط القصوى" على إيران، انسحب خلالها من الاتفاق النووي عام 2015، بدا الرئيس الجمهوري وكأنه يمدّ يده من جديد لطهران، معلنًا السماح للصين باستيراد النفط الإيراني، ومشيرًا إلى إمكانيّة العودة إلى المفاوضات.

 

مصدر أميركي مطّلع كشف أنّ المبعوث الخاص ستيف ويتكوف لا يزال يحتفظ بخطّ تواصل مباشر مع وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، عبر رسائل نصيّة، في وقت أبدت فيه واشنطن استعدادها الفوري لاستئناف الحوار إذا ما تلقّت إشارة إيجابية من الجانب الإيراني.

 

في الأروقة السياسية الأميركية، بدا الإرباك واضحًا. كبار أعضاء الكونغرس لم يُطلعوا مسبقًا على قرار ضرب المنشآت النووية الإسرائيلية، وجلسات الإحاطة التي كانت مقرّرة لمناقشة التداعيات أُلغيت فجأة، فيما امتنعت وزارة الخارجية عن تقديم أي توضيحات، محيلةً الصحافيين إلى منشورات الرئيس على منصّاته الاجتماعية.

 

وقالت المتحدثة باسم الخارجية، تامي بروس، إنّ "الديناميكية بين الوزير والرئيس كانت خاصّة... ولا يمكنني التحدّث عمّا جرى خلالها أو عن القرارات المتّخذة".

 

في تقييم أولي لوكالة الاستخبارات الدفاعية، تبيّن أنّ الضربات الإسرائيلية والأميركية التي استهدفت مواقع فوردو ونطنز وأصفهان، ألحقَت أضرارًا كبيرة بالبنية التحتيّة للبرنامج النووي الإيراني، إلا أنها لم تُدمّره بالكامل كما أعلن ترامب. ويُرجّح أن تستغرق طهران عدّة أشهر لإعادة تأهيل هذه المنشآت، إن قرّرت مواصلة أنشطتها على نفس الوتيرة.

 

الأميرال براد كوبر، نائب قائد القيادة المركزية الأميركية، أكّد في إفادته أمام الكونغرس أنّ إيران لا تزال تحتفظ بقدرات "تكتيكية مهمّة"، مشيرًا إلى محاولة طهران الردّ عبر إطلاق صواريخ باتجاه قاعدة أميركية في قطر. وردًا على سؤال حول ما إذا كانت إيران لا تزال تُشكّل تهديدًا للقوات الأميركية، أجاب: "بكل تأكيد، نعم".

 

ورغم التصعيد، لا تزال الإدارة الأميركية ترى في الحل الدبلوماسي خيارًا قائمًا، بل ومفضّلًا. نائب الرئيس جاي دي فانس ووزير الخارجية ماركو روبيو شدّدا على أنّ واشنطن لم تُجهض المسار السياسي، بل تعتبر أنّ طهران لم تُعطه فرصة حقيقية حتى الآن.

 

لكنّ العقبة الكبرى، كما يقول الخبراء، تكمن في الداخل الإيراني. فبحسب الباحث في مجلس العلاقات الخارجية، ري تقي، فإنّ النظام الإيراني "في حالة من عدم التماسك تجعل من الصعب الدخول في مفاوضات حقيقية"، خاصة إذا كانت الشروط الأميركية "مُسبقة وواضحة، وأبرزها: صفر تخصيب".

 

إذا ما صمد وقف إطلاق النار، فإنّ إدارة ترامب قد ترى فيه فرصة لاختبار نهج جديد في ملفات أكثر تعقيدًا في المنطقة. من الملف الفلسطيني، حيث قد تعود واشنطن إلى التواصل مع وسطاء مثل قطر ومصر لمحاولة تهدئة التصعيد بين إسرائيل و"حماس"، إلى الساحة السورية.

 

أما على المستوى الدولي، فقد يُتيح الاستقرار الإيراني لإدارة ترامب استئناف جهودها المعلّقة بشأن وقف إطلاق النار في أوكرانيا، حيث ترتبط موسكو بطهران بعلاقات عسكرية واقتصادية متينة، من ضمنها تزويد روسيا بطائرات مسيّرة إيرانية تُستخدم في الحرب الدائرة منذ ثلاث سنوات.

 

في نهاية المطاف، تبدو إدارة ترامب وكأنّها تعيد صياغة السياسة الخارجية الأميركية بطريقتها الخاصة، متجاوزة المؤسسات، ومعلّقة آمالها على التوقيت المفاجئ والانقلاب السياسي.